السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلا ومرحبا بعودتكم إلى التأمل الإسلامي. طلب العلم كمسلم أمر لا يمكن الاستغناء عنه ، لذلك دعونا نمضي قدمًا ونرى لماذا علينا أن نطلب العلم.
بسم الله نبدأ.
العلم ينقسم إلى نوعين: العلم الدنيوي، والعلم الديني. لا يجب علينا تعلم العلوم الدنيوية المفيدة والموضوعات الغير الدينية. طلب العلم الديني فرض كفاية (إذا قام بها البعض)، وبالتالي تصير سنة على باقي الناس (سقط الإثم عن الباقين)،و تعلم العلم الشرعي يكون فرض عين إذا كان مما لا يسع المرء جهله كالصلاة والأمور الواجبة.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”.
ولكن ما هو الهدف من طلب العلم الشرعي؟
عبادة.
قال الله عز وجل:"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"
فالله سبحانه وتعالى جعل ثمرة العلم هي العبادة ولا بد.
خشية الله
كلما زاد علم المرء، زاد وعيه بالله. يقول الله في سورة الفاطر:
"إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَـٰٓؤُا۟".
العمل به
يُروى أن الإمام أحمد بن حنبل حفظ الف الف حديث. وذكر الإمام أحمد أنه لم يكتب حديثاً إلا وقد عمل به. سبحان الله!
التواضع
ذات مرة ، قطع رجل مسافة طويلة ليسأل الإمام مالك اربعين سؤالاً فأجاب قائلاً "لا أدري" لجميع الأسئلة إلا أربعة! وهذا يوضح كيف يجب أن تجعل منك المعرفة متواضعًا وعلينا أن نحرص كل الحرص على أن لا نستخدمها للتباهي ، حيث يُعلِمنا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن مِن أول من يدخل النار عالمًا.
"وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعلم ليقال عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ "
فكيف نزداد علما؟
العلم نور، يخفته ظلام الذنوب. كتب رجل إلى أخ له:
"إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب،فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم".
قال الإمام الشافعي:
كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك علما نافعا ". كما أمر الله نبينا "وقل رب زدني علما". فاسأل ربك أن يزيدك علماً نافعاً و عملاً صالحاً.
ولكن لماذا أبذل قصارى جهدي في طلب العلم؟
هذا الحديث الرائع يكفينا تحفيزا:
عَنْ أَبي الدَّرْداءِ، رضي الله عنه ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، يقولُ: "منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظّ”
الله أكبر! نسأل الله أن يجعلنا من ورثة الأنبياء.
طلب العلم يعد جزء من الجهاد. ذكر ابن عثيمين أنه يساوي الجهاد في سبيل الله، مستشهدًا بآية التوبة/١٢٢: ۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122).
الله سبحانه وتعالى يذكر من يذكره! قال رسول الله ﷺ: "وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
ومع العلم يأتي زيادة في الدرجات في الدنيا والآخرة، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة المجادلة: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ''.
فالعلم الذي يُنتفع به يجزي المرء حتى بعد مماته!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الأنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
فالله يتخذ اصحاب العلم شهودا، ويذكرهم مع الملائكة:
قال الله: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ".
فأي شرف هذا!
بعد معرفة كل هذا، كيف لنا ألا نطلب العلم؟ علينا أن نأخذ العلم من مصادر موثوقة، وخاصة في عصرنا هذا المملوء بالفتن والبدع.
طلب العلم يحتاج إلى جهد وإخلاص منا، حيث قال الإمام مالك " العلم يُؤْتى ولا يأتي''.
ورُوي أن الإمام أحمد بن حنبل قال: *مع المحبرة إلى المقبرة.*
فاللهم اجعلنا من اهل العلم والعمل!
والله أعلى وأعلم.
روى أن الحسن البصري رحمه الله قال : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.